أثر برس

ماذا تفعل أمريكا في الجزيرة السورية؟

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس تبحث واشنطن بحثاً متكرراً خيارات وبدائل سياستها أو تورطها في منطقة الجزيرة السورية، بين حدين أقصيين: الأول هو تعزيز الوجود العسكري والسياسي بعيد المدى، بكل ما يحيط ذلك من تحديات ومخاطر. إذ تزيد أمريكا في أعداد وعتاد قواتها في منطقة الجزيرة وخط الفرات. وتزيد في توريدات الأسلحة والمساعدات العسكرية والتقنية المختلفة والدعم السياسي والإعلامي والتنظيمي إلى “الإدارة الذاتية” و”قسد”.

والثاني هو الانسحاب المشروط بوجود بدائل محلية يمكن التعويل عليها أمريكياً، تتمثل -حتى الآن- بـ”الإدارة الذاتية” في منطقة الجزيرة. وتعزيز بنى عشائرية ارتزاقية مسلحة في خط الفرات ومحيط التنف. بكل ما يحيط ذلك من تحديات تتمثل باحتمال أو إمكان الفشل. يبدو الحد الأول هو الخط الرئيس حتى الآن، والثاني هو الخط الموازي، ولكن ليس البديل. الواقع أن الخطين يتداخلان ويتمفصلان معاً.

وهكذا، تبحث واشنطن في: كيف يمكن أن تواصل وجودها غير الشرعي والاحتلالي في الجزيرة وخط الفرات، إنما بقدر أقل من المخاطر والتهديدات، وإذا لم يكن، فالانسحاب إنما بقدر لا يهدد ما تعده مصالح وأولويات في منطقة الجزيرة، وفي المشهد السوري والإقليمي ككل. لا ننسى أن الوجود الأمريكي في سوريا يتجاوز الحدث السوري، ومدفوع أو محكوم باعتبارات كثيرة، لعل الاعتبار المتعلق بـ”الإدارة الذاتية”، و”قسد”، ومزاعم محاربة الإرهاب، وحتى سوريا ككل هو أقلها، إذا أمكن الحديث عن أوزان نسبية لعوامل ومحددات ذلك الوجود، وهو وجود غير شرعي، بل هو احتلال موصوف.

تحاول واشنطن أن “تشبك” بين أمور وخطوط ورهانات، و”توازن” بين تحديات وفرص، وضبط تجاذبات وتلمس خيارات بقدر كبير من التعقيد. الخريطة بالنسبة لواشنطن ليست واضحة بالقدر الكافي، ثمة خطوط اتصال وتقاطعات رمادية، ولا يقينية، إن أمكن التعبير، تنطوي على الاحتمال ونقيضه في آن.

تواصل واشنطن التنسيق أو إدارة وضبط التفاعلات مع موسكو، ومن خلالها مع طهران وإلى حد ما دمشق. وتوازن بين إدارة الموقف بين حليفيها الرئيسين: أنقرة و”قسد”. وتواصل تحالفها مع أنقرة، في خطوطه الكبرى، ومنها خط الأزمة السورية، ومن خلال أنقرة التنسيق مع “جبهة النصرة” والشبكات الجهادية والإرهابية التي تدور في فلكها. والواقع أن ثمة خطوط اتصال وتفاعل مباشر بين واشنطن والتنظيمات والشبكات المذكورة، وعلى رأسها “جبهة النصرة”.

وتذهب أمريكا أبعد من الخطوط المعروفة، إذ إنها تدفع نحو: إعادة هيكلة “الإدارة الذاتية” و”قسد”، من جهة، على ما يتردد في التقديرات الإعلامية والسياسية. وخلق “بنى مسلحة” من العشائر العربية في خط الفرات، من جهة أخرى. يراد من ذلك إقامة “حيز فصل”، و”حاجز صد”، و”ذراع”، يمكن استخدامه ضد أطراف مختلفة، ضد الجيش السوري والقوات الرديفة، وضد العشائر العربية التي يمكن أن تندفع في مواجهة أمريكا و”قسد”. وضد القوات الإيرانية وقوات حزب الله، وأي قوات يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني.

وأن الحديث عن “حيز فصل” هو بمعنى إذ إن أمريكا مهتمة بإقامة “منطقة فصل” بين مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” ومناطق سيطرة الجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة. هذا مهم من جهات عدة، من منظور واشنطن: تخفيف التوترات المستمرة ولكن متفاوتة الحدة والتواتر بين “قسد” من جهة والعشائر العربية الموالية لدمشق من جهة أخرى. وتطمين العشائر القريبة من واشنطن بأن “قسد” لن تتجاوز الجغرافيا التي سيطرت عليها، ولن تغير طبيعة تلك السيطرة، بل إن التوجه هو لـ”تقليص” أو “ضبط” تلك الجغرافيا. وطمأنة تركيا، بأن أمريكا رسمت حدوداً لظاهرة “قسد” في خط الفرات، وهي قابلة للمداولة حول طبيعة الكيانية التي تقول موسكو وطهران ودمشق إن واشنطن تعمل لخلقها وتعزيزها في الجزيرة.

و”حاجز صد” حيال إيران، بمعنى أن العشائر قد تكون أكثر قابلية لأن تقف مع واشنطن ضد طهران، وفق اعتبارات ومنظورات دينية وطائفية. والواقع أن “قسد” أقل اهتماماً بــ”توظيف” الورقة الدينية والطائفية في الصراع، وغير مستعدة لخلق “استقطاب طائفي”. صحيح أن “قسد” حليف لواشنطن وتتحدث ضد طهران، لكنها لا تعمل للتحشيد على أساس ديني أو طائفي. “الإدارة الذاتية” و”قسد” محكومة بتقديرات ورؤى أوجلانية، حداثية ومدنية وعلمانية.

و”ذراع”، وهذا يتداخل مع النقطة المذكورة أعلاه، وذلك بمعنى أن قوات العشائر تمثل قوة محلية مسلحة تستخدمها أمريكا أداة لاستهداف القوات السورية والقوات الرديفة والحليفة، وتمنع توسيع سيطرة دمشق وحلفائها في مناطق خط الفرات والبادية السورية ومناطق الحدود مع العراق.

تدفع أمريكا أيضاً، لـ”توافقات موضوعية” بين “قسد” وكل من تركيا والإقليم الكردي في شمال العراق. ويتكرر الحديث عن “خط توافق” تضطبه وتضمنه أمريكا بين “قسد” وتركيا.

المهم الإبقاء على خطوط الوصل والاتصال بين دمشق و”قسد”، إن أي تفاهم بين الطرفين يحد من المخاطر الواقعة والمتزايدة على البلاد، ويحد من فرص ورهانات أمريكا في منطقة الجزيرة السورية. إن أمريكا أقرب لتركيا منها لـ”قسد”. المؤشرات على ذلك كثيرة، ولا تحتاج إلى جهد كبير لبيانها.

إن منطقة الجزيرة حبلى بالعنف، وهي تحت اعتداء دائم تقريباً من قبل تركيا، واحتلال أمريكي يتكئ إلى حلفاء أو وكلاء محليين ومزاعم بمحاربة الإرهاب. وتحت تهديد دائم بالانفجار بين فواعل مسلحة، والواقع أنه تهديد بانفجار رهانات متداخلة ومعقدة. وكلما زادت أمريكا في تورطها في الجزيرة وخط الفرات، أو تهيئة شروط محلية تضمن مصالحها فيها، كلما تعززت الحاجة إلى الانخراط في سياسات مقاومة، تجعل من التورط الأمريكي مخاطرة أكثر منه فرصة من منظور أمريكا نفسها. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

عقيل سعيد محفوض

اقرأ أيضاً