تم مساء أمس الجمعة الإعلان عن حدوث توافق سعودي- إيراني برعاية الصين، في مشهد اعتُبر أنه يشكل لحظة مفصلية في العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، وذلك نظراً إلى عناصره كافة سواء الأطراف المعنية والضامن لهذا الاتفاق وتوقيتها وغيرها من العناصر التي تؤكد أهمية هذا الاتفاق ليس فقط الأطراف المعنية به، بل لعدوة قوى فاعلة في الشرق الأوسط والعالم.
التقارير الأمريكية اهتمت بهذا الاتفاق ومؤشراته، حيث لفتت صحيفة “إيكونومست” الأمريكية إلى أن الإعلان عن تقارب سعودي- إيراني من الصين يحمل في طياته دلالات عدة، مشيرة إلى أن “الأمر كان مدهشاً بما يكفي لرؤية عدوين قدامى يجلسان معاً، وما جعل هذه اللحظة أكثر إثارة هو المكان الذي لم يكن عاصمة إقليمية، بل بكين، حيث يجلس بين الرجلين وانغ يي، كبير الدبلوماسيين الصينيين” مؤكدة أنه “يبدو أن الدولة التي لطالما تبنت وجهة نظر تجارية للشرق الأوسط تشعر بالراحة في الخوض في سياساتها” ونقلت عن مايكل سينغ من معهد واشنطن لسياسة السلام في الشرق الأدنى، قوله: “إن رؤية الدور الصيني هنا لن يسخن أي قلوب في واشنطن، وستكون نعمة للجمهوريين الذين يريدون المجادلة بأن سياسة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط فاشلة”.
فيما أكد موقع “أتلانتيك كونسل” أن ما يحصل يعني خلط الأوراق في المنطقة وفرض معادلات توازن جديدة، حيث نشرت: “بالنسبة للصين، يعزز الاتفاق شرعيتها كوسيط دبلوماسي ثقيل الوزن قادر على حل المنافسة الجيوستراتيجية الأكثر عدائية في المنطقة، ويمكن أن يخلق الشروط الأولى لتغيير التوازن الاستراتيجي في سياق التنافس مع الولايات المتحدة في الخليج” مشيرة إلى أن “بعد هذا الاتفاق بات للصين طموحات في وضع نفسها كصانعة سلام ذات مصداقية لها نطاق أوسع يشمل النزاعات في سوريا وليبيا واليمن خاصة، وقد يكون هذا إشكالية في واشنطن” منوّهة إلى أن “أول مساهمة صينية كبيرة أحادية الجانب لدبلوماسية الشرق الأوسط على الإطلاق، ويجب أن تكون جرس تحذير لدور الولايات المتحدة في المستقبل”.
وفي السياق ذاته، نشرت “نيويورك تايمز” الأمريكية “بالنسبة للولايات المتحدة، تشير الاتفاقية إلى أنها لا تستطيع أن تأخذ النفوذ البارز الذي مارسته ذات يوم في المملكة العربية السعودية كأمر مسلم به، فالسعودية باتت حليف يرسم مساراً دبلوماسياً أكثر استقلالية”.
بدورها، أشارت صحيفة “هآرتس” العبرية في مقال تحليلي إلى أنه “من المرجح أن يعيد إعلان التقارب السعودي- الإيراني، رسم الخريطة الإقليمية للأصدقاء والأعداء، وسيكون له أصداء عالمية، يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الصفقات مع الدول العربية مثل مصر، وتمهيد الطريق لإنهاء الحرب في اليمن، وتقديم حل عملي للأزمة في لبنان، وحتى يؤدي إلى استئناف المفاوضات لإنقاذ الاتفاق النووي”.
أما فيما يتعلق بارتدادات هذا التقارب على الملف السوري، لفتت صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية إلى أنه “سوريا قد تتأثر في هذا التقارب، فالسعودية يمكن أن تنضم إلى الإمارات العربية المتحدة في الضغط من أجل الاعتراف الدبلوماسي بالدولة السورية”.
يؤكد الخبراء أنه لا يمكن الجزم بأن هذا الاتفاق سيُحدث تطوّراً مفصليّاً في الشرق الأوسط، لكن لا يمكن إنكار أنه تطوّر مهم وإن كان شكليّاً فقط أو حمل تأثيرات طفيفة على ملفات المنطقة، وتنبيه للجاني الأمريكي و”الإسرائيلي” بأن الحلف المعادي لهم يتسع ويزداد نفوذاً.