بمراسم رسمية وحفاوة لافتة استقبل الرئيس بشار الأسد، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في 16 تموز الجاري، في زيارة أولى من نوعها منذ بداية الحرب، مؤكداً أن هذه الزيارة تمثّل نقله نوعية في العلاقات بين الجانبين السوري والعراقي.
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوين ماري بلندن، كريستوفر فيليبس، أشار في مقال نشره موقع “ميدل إيست أي” البريطاني، إلى خصوصية العلاقات السورية- العراقية، لافتاً إلى أن العراق كان من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقاتها مع سوريا طوال فترة الحرب، وقدم الدعم لسوريا سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً بطرق مباشرة وغير مباشرة.
فدبلوماسياً، أشار فيليبس، إلى أنه على عكس معظم الدول العربية، التي صوتت على تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في عام 2011، احتفظ العراق بعلاقاته مع جارته الغربية، ولعب دوراً رئيسياً لصالح الدولة السورية.
كما لفت الكاتب البريطاني إلى أنه في تشرين الثاني 2011، عندما صوتت جامعة الدول العربية على تعليق عضوية سوريا، امتنع العراق عن التصويت، الأمر الذي جعل سوريا غير معزولة بشكل كامل، كما رفض العراق الانضمام إلى الحظر التجاري الذي فرضته جامعة الدول العربية بعد ذلك.
وعسكرياً، أكد فيليبس، أن الحكومة العراقية ساعدت الدولة السورية، بشكل غير مباشر في مواجهة تنظيم “داعش”، الأمر الذي ساعدها على استعادة جزء كبير من وسط سوريا.
أما على الصعيد الاستراتيجي، فالعراق يمثّل عمقاً استراتيجياً مهماً لسوريا، وفي هذا الصدد لفت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوين ماري بلندن، كريستوفر فيليبس، إلى أن العراق تجاوز الرغبة الأمريكية الرافضة لوجود أي تواصل إيراني- سوري، وسمح للإيرانيين بالعبور عبر العراق إلى سوريا براً وجواً.
وكذلك على صعيد الاقتصاد، أشار فيليبس إلى أنه “نظراً لأهمية التجارة العراقية للاقتصاد السوري، فقد سمح ذلك لدمشق برأس مال إضافي لبضعة أشهر أخرى، استخدمته في الحرب، قبل أن تصل خطوط القتال إلى الحدود العراقية وتتوقف التجارة” مضيفاً أنه “لا يزال أهمية ملف التجارة بارزاً إلى اليوم، حيث دعا السوداني، من دمشق، إلى رفع جميع العقوبات عن سوريا، لأن العراق سيكون المستفيد الأكبر”.
وفي هذا الصدد، أكدت بيانات كان قد حصل عليها “أثر برس” أن بلغ حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق عام 2007 نحو 67.7 مليون دولار للسلع غير النفطية، منها 53.6 مليون دولار مستوردات سوريا من العراق، و14.1 صادرات سوريا إلى العراق، ومن ثم ارتفعت عام 2008 إلى 175 مليون دولار، منها 114.4 مليون دولار مستوردات و60.6 صادرات، لكن في العامين 2007 و2008 كان الميزان التجاري بين البلدين خاسراً بالنسبة لسوريا، إذ سجّل عجزاً بنحو 39.5 مليون دولار، و53.8 مليون دولار لكل منهما على التوالي.
وفي المدة بين (2009- 2013) سجّل الميزان التجاري بين البلدين فائضاً لصالح سوريا، فشهدت الصادرات السورية إلى العراق عام 2009 نمواً واضحاً، حيث ارتفعت إلى 165 مليون دولار مقابل مستوردات بلغت 85.9 مليون دولار، وبذلك سجّل الميزان التجاري فائضاً لصالح سوريا بقيمة 79.1 مليون دولار، وحقق الميزان التجاري بين البلدين ارتفاعه الأكبر في المدة المذكورة عام 2011، حيث ارتفعت صادرات البلاد 623.2 مليون دولار مقابل تسجيل الصادرات نحو 96 مليون دولار، وبذلك بلغ الفائض التجاري بين البلدين نحو 518 مليون دولار، ومن ثم انخفاض التبادل التجاري بين البلدين عام 2013 إلى 277.6 مليون دولار؛ بسبب تضرر الاقتصاد السوري جرّاء الحرب وانخفاض قيمة الصادرات السورية إلى العراق إلى 226 مليون دولار، في مقابل انخفاض الاستيرادات إلى 51.6 مليون دولار.
يشار إلى أن التطورات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، كان لها تأثيرها على العلاقات بين سوريا والدول العربية، وبحسب التقديرات فإن هذه التطورات ساعدت بعض الدول على تعديل موقفها من سوريا، كما ساعدت دول أخرى على تثبيت مواقف معينة، وفي هذا الصدد، سبق أن نقلت صحيفة “العرب” عن أوساط رسمية وغير رسمية عراقية تأكيدها على أن “صورة المشهد الإقليمي العام تغيرت وتبدل كثير من ملامحها ومعالمها وألوانها، وما لم يكن ممكناً ومتاحاً وخارج نطاق الافتراضات والتوقعات، بات اليوم ضمن إطار الحقائق والمعطيات المتحركة على أرض الواقع”، مشيرة إلى أن هذا التغير حصل بعد عوامل عدة أبرزها “عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية بعد قطيعة كاملة دامت سبعة أعوام، و الاتجاه العام في مختلف الأطراف المتخاصمة نحو التوافقات والتفاهمات البناءة وفق قاعدة المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة”.