خاص|| أثر برس “الكثير من أصدقائي يحسدونني لأنني لم أتزوج بعد، ويصفوني بالعاقل والسعيد خاصة في الظروف الاقتصادية الصعبة جداً التي نعيشها في سوريا فمتطلبات تأسيس عائلة باتت ضرباً من الخيال والزواج حلم الشباب من الجنسين”، يقول الشاب خالد الذي تجاوز عمره الأربعين عاماً.
خالد وغيره الكثير من شباب سوريا فضّل لقب “العازب” على الزواج وتحمل مسؤولية زوجة وأطفال وعائلة وتأمين متطلباتها، معتبراً أن ذلك “بات بالأمر القاسي فالغلاء طال كل شيء”.
يوافق لؤي (34 عاماً) زميله في العمل خالد فهو أيضاً “مضرب عن الزواج” على حد تعبيره، موضحاً لـ “أثر” أنه عندما يفكر بالزواج يتبادر إلى ذهنه تأمين منزل مناسب حتى لو كان غرفة وصالون إلا أن ذلك مستحيل فهو حالياً يتشارك السكن مع صديقه بغرفة في ضواحي دمشق بمنطقة عشوائيات وإن فكر بأجرة منزل بسيط عليه أن يكون دخله يفوق المليونين ليرة لأن أجرة منزل صغير تتجاوز حالياً 800 ألف ليرة شهرياً وأكثر حتى في الأحياء الشعبية أو مناطق المخالفات إن لم يكن أكثر من مليون ليرة، مضيفاً: “أما تكاليف الخطوبة والزواج وغيره من مستلزمات تتطلب الكثير من المال وراتبي لا يتجاوز 600 ألف وفرصة عمل آخر لاتزال قيد البحث”.
وفي الجانب الآخر، الشاب فراس (35 عاماً) الذي خرج عن سرب العازفين عن الـزواج بعد أن التقى بزميلته في العمل الثالث (ففراس موظف صباحاً بأحد الدوائر الرسمية ويعمل بعد الظهر في أحد المعامل إلى جانب عمل جزئي في إحدى الشركات لا يتطلب الدوام يومياً) وهنا تعرّف على لجين الشابة العشرينية التي اقتنعت بفكرة التعاون والكفاح معه لبناء عائلة وتكلل حبهما بالخطوبة مؤخراً، بحسب قوله.
التهاني لفراس ولجين من الأقارب والأصدقاء أخذت شكلين بحسب قوله، “الأول مباركات وتهاني تقليدية كـ”التمام على خير ومبارك وعقبال الفرحة الكبرى” وفي المقلب الآخر كان هناك من يقول: “زادوا المجانين واحد.. حدا يتزوج بهذه الظروف”، ورغم أنها من باب الدعابة والمزح إلا أنها تحمل الكثير بين طياتها من أفكار باتت تشكل قناعات لدى من هم بعمر الزواج بأن يفوتهم القطار أفضل من النزول فجأة بمحطة يمكن أن تؤدي إلى الطلاق أو مشاكل زوجية وأسرية نتيجة الفقر أو عدم استطاعة تحمل أعباء هم بغنى عنها حتى لو على حساب العيش بالوحدة وعدم تأسيس عائلة وغير ذلك”.
أما مصطفى الذي مضى على خطبته لمريم ثلاث سنوات يعتبر حصوله على فرصة عمل خارج سوريا مفتاح الفرج كما يقول ليستطيعا الزواج وإلا ستطول سنوات الخطوبة أو عليه الرضا بالواقع والزواج و”العيشة على قد الراتب”، مضيفاً لـ “أثر”: “سعر غرام ذهب يحلق عالياً وتجاوز المليون، وسعر أي قطعة أثاث للمنزل وبأقل المواصفات أكثر من مليونين، واليد قصيرة والعين بصيرة.. أحتاج عدة سنوات ضوئية لأشتري بيت وأفرشه”.
يستذكر عقبة (48 عاماً) الذي تزوج عام 2007 أنه كان بإمكان الموظف أي (ذوي الدخل المحدود) الزواج ودفع التكاليف بشكل منطقي دون عناء سواء عبر الاشتراك بجمعية أو القرض المصرفي أو حتى تجميع رواتب عدة أشهر وغير ذلك، متابعاً لـ “أثر”: “سعر غرام الذهب حينها لم يتجاوز 800 ليرة سورية وأجرة منزل تصل إلى 5 إلى 10 آلاف ليرة والراتب يقارب من 10 آلاف إلى 15 ألف لموظف تعيّن حديثاً ويمكن أن يتشارك الزوجان بتأسيس المنزل أو شرائه بالتقسيط فالأمر ليس بالمستحيل أو يحتاج لمعجزة كما هو الحال الآن”، ليختم بلهجة عامية بسيطة: “الله يكون بعون جيل الشباب عنا”.
وفي حديث لأثر رأت الاختصاصية الاجتماعية والنفسية سناء منشأ أن ما يدور من أحاديث بين الشباب وتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي حول الارتياح الذي يشعر به غير المتزوجين لجهة التخلص من المسؤولية وصعوبة تأمين مستلزمات الزواج والأسرة في ظل الظروف الاقتصادية التي نعيشها هو المضحك المبكي لأنه أمر واقعي جداً ويلامس هموم الناس، مضيفة : “بنظرة شاقولية لهذا الأمر نجد أنه في الحقيقة الشاب غير المتزوج يتمنى ويفكر بحالة الاستقرار حتى أن بعضهم يحسد المتزوجين ومهما كانت فكرة ارتفاع تكاليف الزواج لديه تعطي نتائج سلبية نجد في المقابل فكرة تكوين عائلة وما لها من نتائج إيجابية لتحقيق الأهداف والآمال والأماني لأننا نتابع طموحاتنا وآمالنا عبر أبنائنا فالزواج مطلب وهدف سامي في المنطق المتزوجون مستقرون ومتوازنون تفكيرهم بعوائلهم بينما الأعزب مهما هرب من فكرة الزواج تبقى الفكرة ملحة لديه دائماً”.
من جانب آخر، تقول منشأ لـ “أثر”: “منحى حالات الـزواج في مجتمعنا نجده يتجه نحو الانخفاض والغلاء المعيشي وارتفاع التكاليف ليسا السبب الأساسي لذلك ففي حالات حب كثيرة استطاع الشاب والشابة تجاوز العقبات والزواج وتشكيل عائلة بإمكانيات بسيطة”، و بحسب منشأ فإن سبب تأخر الزواج أو حتى العزوف عنه هو “نتيجة قدرة الشباب على إقامة علاقات تلبي الحالة الفيزيولوجية وتبتعد عن الالتزام الاجتماعي وذلك بسبب انفتاح المجتمع الذي لا نستطيع إنكاره إضافة إلى التشجيع على ذلك وفق ما يعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي فأصبح الكثير يقلد المجتمع الأوروبي ويقيم علاقات غير الـزواج”.
واعتبرت الأخصائية النفسية أن 60 بالمئة من حالات العزوف عن الـزواج تعود لأسباب مادية، بالمقابل تجد أن باقي النسبة تعود للحرية التي يعيشها المجتمع والانفتاح الذي ظهر مؤخراً.
وقالت منشأ: “الأعباء المادية للـزواج موجودة منذ القدم وتشكل هماً للشباب حيث كانوا ينتظرون مواسم زراعية للزواج بأرباحها أو تجميع المال لفترة من الوقت ورغم أن هذه الأعباء والتكاليف تضاعفت في وقتنا الحالي جراء الظروف الاقتصادية الصعبة إلا أنها ليست سبب وحيد للعزوف عن الزواج فاليوم منها أسباب شخصية بسبب الانفتاح الاجتماعي الذي جعل الشباب قادرين على الدخول بمساحات من العلاقات واسعة من العلاقات أدت إلى رفضهم لفكرة الارتباط التقليدي”.
وختمت الاختصاصية الاجتماعية والنفسية سناء منشأ كلامها قائلة لـ “أثر”: “الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورغبة بالسفر والكثير من الحالات انتهت بالطلاق وهنا الـزواج يكون مهرب من الواقع”، لافتة إلى أن فكرة الزواج الافتراضي التي ظهرت مؤخراً بعدة بلدان ليس في سوريا فقط “خففت الكثير من تكاليف الزواج وهي طريقة وجد بها الشباب وسيلة للهروب من تكاليف الزواج وحلاً ربما يكون مناسب”، بحسب تعبيرها.