خاص || أثر سبورت
“زيوان جلب ولا حنطة بلد” أو “مزمار الحي لا يطرب”، مثلان شعبيان ينطبقان على قضية المدرب الوطني والمدرب الأجنبي للمنتخبات الوطنية، ليس في سوريا فحسب بل وفي معظم البلاد العربية إن لم نقل كلها.
هل فعلاً المدرب الوطني مظلوم أو أن إمكانياته الفنية لا تمكنه من تدريب منتخب بلاده أو الاستمرار معه لذلك نراه الضحية الأولى عند كل تعثر أو مطب، لدرجة أصبح معها تغيير المدربين الوطنيين واللجوء للمدرب الأجنبي ظاهرة ظناً أن الأجنبي يملك من المؤهلات ما يميزه عن الوطني ومع هذا فقد يفشل مرة وينجح مرات أو العكس، تماماً كما يحدث للمدرب الوطني ولكن الصبر يكون على الأجنبي أكثر.
لو درسنا موضوع المدرب الوطني والمدرب الأجنبي في كرتنا السورية هل سنجد فعلاً أن مزمار الحي لا يطرب وهل زيوان الجلب أفضل من حنطة البلد على اعتبار أن من استقدمناهم لتدريب منتخبنا غير معروفين تماماً في بلادهم وقد يكونون من مدربي الصف الثاني أو ربما الثالث عندهم.
عيوب ومزايا المدرب الأجنبي:
قبل أن نجري مقارنة ونسمع ونقرأ أخبار أصحاب الشأن المعنيين الأهم بالموضوع وهم اللاعبون يجب أن نعرف عيوب ومزايا المدرب الأجنبي.
يبحث المدرب الأجنبي عن معادلة الأداء والنتيجة وتسجيل الإنجازات لأنه يطمح لتدريب فرق أو منتخبات أفضل بشروط ومبالغ مادية أكثر، كما أنه يتميز بفهمه لخطط وطرق اللعب الأوروبية الأفضل في العالم كونه تعايش معها وأجرى الدورات الخاصة بها وقام بتطبيقها في أجواء أفضل من تلك التي يتعايش معها المدرب المحلي أو الوطني الذي ينال شهاداته التدريبية بطرق متعددة قد لات كون صحيحة دائماً، لذلك نجد المدرب الأجنبي قارئ جيد للمباريات يقوم بتبديل خططه حسب سيرها مستفيداً من تجاربه بعيداً عن العاطفة أو الرضوخ لأي لاعب مهما كان اسمه وعلا شأنه طالما لا يطبق خططه وهو بذلك يبعث الطمأنينة عند الإدارات والجماهير.
ولكن في ذات الوقت لدى المدرب الأجنبي عيوب من شأنها ألا تسمح له بالنجاح، فبعضهم يتعامل بتعالٍ مع مساعديهم ومع اللاعبين أيضاً بالإضافة لعدم فهم طبيعة اللاعب المحلي لأنه يتعامل معهم بنظام الاحتراف الكامل ويطالبهم بتطبيقه وينسي أو يتناسى أننا نعيش بوهم اسمه الاحتراف ولدينا الاسم فقط منه وليس لدينا تطبيقه، كما أنه يفضل الاعتماد على اللاعب الجاهز ونراه يطلب اللاعبين المحترفين متناسياً اللاعبين المحليين كما أنه لا يعتمد على اللاعبين الشبان أو الناشئين وبالتالي فهو مدرب آني لا يفكر بمستقبل المنتخب لأن عقلية الفوز مقدمة على البنية الأساسية للفريق، ولذلك فإنه يرحل عندما تقل خيارات اللاعب الجاهز لديه.
مزايا وعيوب المدرب الوطني:
وللمدرب الوطني مزايا تجعله أفضل من الأجنبي كما لديه عيوب مثله، ومن أهم مزاياه اللغة وهي العامل الرئيسي في التعامل لأنها تلغي كل الوسائل الأخرى في التواصل مع اللاعبين وباقي أعضاء الكادر فيسهل وصول الأفكار لهم، بالإضافة إلى أنه وبسبب قربه من اللاعب المحلي يفهم طبيعته وما يناسبه من خطط للعب وهناك أيضاً ميزة مهمة عند المدرب الوطني وهي حبه لبلده ومنتخبه فتراه يعتمد قدر الإمكان على اللاعب الشاب ليكون رافداً دائماً للمنتخب الأول، ولذلك يتحمل كافة المشاق ومنها ضعف الراتب وعدم الاحترام فقد يتم إبعاده ثم العودة إليه وهذا ما حدث مع الكثير من مدربينا الوطنيين.
ومن عيوب المدرب الوطني عدم الاعتماد على نهج جديد في التدريب فنرى أغلبهم ينتهجون نهج أسلافهم (هذا ما وجدنا عليه آباؤنا) وإذا كان الفشل حليفه يقول هذا ما وجدته أو استلمته أو توليته وهذه إمكانياته ولا يفكر أبداً بالاستفادة من هذه الإمكانيات واستخراج المفيد منها، وحتى لا نظلمه نقول بأن قرار إقالته الجاهز في أي لحظة يضعف ثقته بنفسه فيشعر بالخوف ويضع المبررات دائماً للفشل ناهيكم طبعاً عن عدم قدرته على اتباع دورات يكون من شأنها تطويره لضعف إمكانياته المادية وعدم قدرة الاتحاد على إرساله ببعثات لاتباع مثل هذه الدورات، وإن حدث فتكون البعثات الأصحاب النفوذ الذين يرحلون بعدها لتدريب فرق عربية أو أندية محلية ذات العقود الأدسم وقد لا يكون من بينها من يحتاجه المنتخب لتدريبه.
من قدم الأفضل لمنتخبنا البلدي أم المستورد؟
تعاقب العديد من المدربين الأجانب على تدريب منتخبنا الوطني وحقق البعض منهم إنجازات مقبولة إلى حد ما رغم قلة الإنجازات والبطولات التي حققها المنتخب، وكان من أبرز المدربين الذين تولوا قيادة المنتخب السوري السوفييتي أناتولي أزارنيكوف الذي قاد المنتخب خلال 5 سنوات بـ49 مباراة، ومن أهم إنجازاته فوزه على منتخب فرنسا في نهائي دورة ألعاب المتوسط 1987 التي استضافتها سوريا بنتيجة 2- 1 ليتوج المنتخب السوري بالميدالية الذهبية لكرة القدم في البطولة، وكان ذلك أول إنجاز إقليمي يحققه المنتخب في بطولة تضم منتخبات من 3 قارات.
كما حقق المنتخب معه مركز الوصيف في كأس العرب في الأردن عام 1988 عندما التقى بالمنتخب العراقي في نهائي البطولة وفاز الأخير بركلات الترجيح 3-4 بعد أن انتهى الوقت الأصلي بالتعادل 1-1.
وخاض المدرب السوفييتي مع المنتخب تصفيات كأس آسيا في نيبال 1988، والتصفيات المؤهلة لمونديال 1990، ونهائيات آسيا 1988، وتصفيات كأس آسيا 1992، والدورة العربية 1992 ولم نحقق النتائج المطلوبة فيها.
الصربي ميلوسلاف رادينوفيتش: قاد المنتخب السوري بين عامي 2002 و 2006 وشارك المنتخب تحت قيادته في كأس العرب في الكويت عام 2002، حيث تغلب على البحرين ولبنان واليمن ولكنه خسر أمام السعودية وخرج من البطولة مبكراً، كما قاد المنتخب في دورة ألعاب غرب آسيا في قطر عام 2005 وفي تصفيات كأس آسيا 2006 دون تحقيق إنجازات مهمة.
المصري أحمد رفعت درب المنتخب عام 2004 وخاض معه 22 مباراة وحقق وصافة غرب آسيا في ذلك العام حيث حقق المنتخب فوزاً على لبنان في البطولة وخسارة أمام إيران قبل اللقاء مع الأردن في نصف النهائي بمباراة انتهى وقتها الأصلي بالتعادل بهدف لكل فريق قبل أن يفوز المنتخب السوري بضربات الجزاء ليلاقي إيران في النهائي ويخسر أمامها بأربعة أهداف لهدف محققاً المركز الثاني وقاد رفعت عام 2004 المنتخب السوري في المراحل الأولى من التصفيات المؤهلة لمونديال 2006 الذي أقيم في ألمانيا.
ومن المدربين الذين دربوا منتخبنا ولم يحققوا المطلوب ألبيرت جوزيف (1956–59)، ڤاداز ميكلوس (1960–65)، وكورنيل دراجوشين (1965–66)، وعزت عبد الوهاب (1967–69)، وفالييري يارميشنكو (1985–87)، ويوري كورنين (1996–97)، وميرسي رادوليسكو (1998، ودراغوسلاف بوبوفيتش (2000) و بوزيدار فوكوتيش (2001)، وجلال طالبي (2002م) وجانوس ووجكي (2003) وميروسلاف رادينوفيتش (2005–2006)، وراتومير دوجكوفيتش (2010)، وفاليريو تيتا (2010–11)، وكلاود لي روي (2011)، وبيرند شتانغه (2018)، ونبيل معلول (2020 -2021)، وفاليريو تيتا (2021) ولم يحقق أي منهم إنجازاً واحداً.
ومن المدربين الوطنيين الذين دربوا المنتخب موسى شماس (1980 – 1982) و(1993)، وأفاديس كافالكيان 1983-1985 ووصل معه المنتخب للمباراة الفاصلة المؤهلة لكأس العالم مع العراق فتعادل بدمشق بدون أهداف وخسر في الطائف بالسعودية بهدف لثلاثة، وفجر إبراهيم (2006-2008) و(2008-2020 ) و(2016) و(2019) ووصل المنتخب معه لنهائيات كأس آسيا ثلاث مرات، ومحمد قويض (2008)، ونزار محروس (2011 – 2021) ومروان خوري (2012)، وحسام السيد (2012-2013) و(2013) وأحرز المنتخب معه بطولة غرب آسيا 2012، وأنس مخلوف (2013)، وأحمد الشعار (2014)، ومهند الفقير (2015)، وأيمن الحكيم (2017)، وغسان معتوق (2022).
ومن خلال الأسماء التي مرت على تدريب المنتخب قد لا نجد أي فرق بين المدربين الأجانب والوطنيين من حيث الإنجازات وأفضل إنجازات المدربين الأجانب هي الفوز بذهبية ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت في سوريا وشاركت المنتخبات الأوروبية بفرق الصف الثاني لديها فيما كانت ذهبية غرب آسيا عام 2012 أفضل إنجاز لمدرب وطني وهي بطولة أشبه ما تكون بودية ولم يتم الاعتراف بها إلا مؤخراً أما المركز الثاني لأي مدرب مع أي منتخب فليس بإنجاز نتباهى به.
وللاعبي المنتخب رأيهم:
بعض لاعبي منتخبنا الوطني أبدوا رأيهم حيال هذا الموضوع فقال كامل حميشة الذي يلعب في الكرخ العراقي حالياً إن لكل من المدرب الوطني والأجنبي مزايا خاصة به وليس بالضرورة أن يكون المدرب الأجنبي أفضل من الوطني أو العكس فلكل منهما أسلوبه الخاص بالتدريب وطريقة تحضيره للاعب وقراءته للمباراة وتعامله مع اللاعبين قد يكون المدرب الأجنبي منفتحاً أكثر ولكن المدرب الوطني يكون أكثر قرباً منا نحن اللاعبون ولا يكون هدفه مادي بحت بقدر ما يكون همه نجاح منتخب وطنه.
فيما وجد خالد كردغلي لاعب نفط الوسط العراقي أيضاً أن المدرب الوطني أفضل في ظروف معينة كمعرفته بقدرات اللاعبين وعدم حاجته لفترة طويلة لتكوين فكرة عنهم، أما الأجنبي فهو أفضل في حال تم تأمين فترة تحضير أطول حيث يستطيع عندها نقل أفكاره لهم وهي بالتأكيد أفكار جديدة غير تلك التي تعلموها من المدربين الوطنيين.
وقال الليث علي لاعب المنتخب والفتوة إن المدرب الوطني أكثر قرباً من اللاعبين وأكثر قدرة على فهم ظروفهم ونقل أفكاره لهم بسرعة وبدون الحاجة لمترجم ليوصل هذه الأفكار وهو صبور على كل شيء وهمه الوحيد في النهاية تحقيق النتائج لمنتخب بلده، عكس الأجنبي الذي قد يكون يحمل أفكاراً متطورة ولكنه يحتاج للكثير من الوقت لإيصاله لأنه غريب عن اللاعبين والأجواء المحيطة بالمنتخب ومصلحته وإن كانت بالفوز فهي الأولى عنده لأنه قد يدخل من خلالها لمنتخبات أو أندية أخرى بعقود أدسم.
الوطني مدرب طوارئ:
للأسف ما زلنا ننظر للمدرب الوطني على أنه مدرب أزمات أو مدرب طوارئ نستعين به عند الحاجة فقط أو عندما تتقطع بنا السبل ناسفين كل ما يحمله من إمكانيات وشهادات وما يشعر به من انتماء، رغم أن التجارب أثبتت أنه قادر على تحمل المسؤولية وحقق نتائج لا تقل شأناً عن تلك التي حققها الأجنبي رغم كل الضغوط التي يتعرض لها، مع العلم كما ذكرنا أن إنجازات الكرة السورية بالكاد تذكر.
محسن عمران