خاص|| أثر برس لم تكن أفغانستان إلا دولة تسير نحو مدنية جميلة حتى عهد آخر ملوكها محمد ظاهر شاه (1933-1973)، وهو آخر ملوك السلالة البركزاية شهدت البلاد نهضة اقتصادية وعمرانية مرموقة وانفتاحاً دولياً وسياسات داخلية تعليمية على الأخص ذات أثر كبير.
وكان محمد ظاهر شاه قد ابتدأ فعلياً سياسة نشطة تدفع نحو اعتماد مبدأ الملكية الدستورية تقع الحريات السياسية في قلبها، هو المتأثر بالتقاليد الديمقراطية الغربية نتيجة التعليم الذي تلقاه في المدرسة الفرنسية بكابول ثم في باريس.
عام 1973 قاد ابن عم الملك محمد داوود خان انقلاباً أطاح بالملكية وأسست على إثره الجمهورية، ورغم إبقاء داوود خان على السياسات الاقتصادية والحريات الاجتماعية (خاصة تلك المتعلقة بالمرأة) على ما كانت عليه، إلا أنه انتهج خطاً شمولياً ضد خصومه السياسيين اتسم بالتشدد المفرط، وبعد خمس سنوات من حكمه وتحديدا في العام ١٩٧٨ قتل محمد داوود خان على يد قادة الانقلاب الشيوعي، علما أن الشيوعيين كانوا أكثر من استفاد من مناخ الانفتاح السياسي في ظل الملك محمد ظاهر شاه) وأسسوا جمهورية أفغانستان الديمقراطية الشعبية التي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي.
تدخل الأمريكيون لإسقاط الحكومة الشيوعية عبر دعم “المجاهدين” ثم تدخل السوفييت لدعم أصدقائهم في حرب استمرت 10 سنوات، وانتهت بإقامة إمارة طالبان الإسلامية المتطرفة.
في العام 2001 تدخل الأمريكيون مرة أخرى لإسقاط “أصدقاء الأمس” الطالبانيين وحلفائهم في تنظيم القاعدة، بحجة محاربة الإرهاب، وقامت دولة تحاول إعادة المدنية، إلا أن الأمريكيين قرروا التخلي عن وجودهم في أفغانستان، فحزموا امتعتهم ومضوا، ليبدأ هجوم طالبان على المدن الأفغانية واحدة تلو الأخرى دون مقاومة من الجيش، لينتهي الأمر بفرار الرئيس الأفغاني “أشرف غني”، إلى طاجكستان، فيما قال وزير الدفاع الأفغاني ما حرفيته “الرئيس أشرف غني قيد أيدينا وراء ظهورنا باع الوطن وغادر البلاد”، ليعقب ذلك أن وزير الدفاع نفسه غادر أيضاً.
مشاهد مفزعة من مطار كابول لمواطنين أفغان يحاولون ركوب الطائرات الأمريكية والفرار معهم بمشهد يذكر ما كتبه التاريخ عن نهاية الوجود الأمريكي في فيتنام، والرد الأمريكي كان بإطلاق الرصاص وقتل عدد من محاولي الفرار.
المواقف الدولية انقسمت بين مستعد للاعتراف بسلطة انتقالية شرط عدم تحكم طالبان بها، وبين محاول للحياد، وطرف ثالث يعتبر أن طالبان انتصرت، لكن كل ما حدث يثبت أن واشنطن لا تحالف أحد، بل تستخدم كل من يقبل بها حتى تاريخ انتهاء صلاحيته، وعلى هذا هل يتعظ المتعاونون معها في سوريا من أمثال قسد وفصائل الركبان وسواهم؟
في ذلك شك لأن العملاء لا يتعظون وغالباً ما يحاولون طمأنة أنفسهم بأنهم حلفاء لواشنطن لا محض تابعون، على أن القيادات الكردية عاشت تجربة التخلي الأمريكي عنها حين أعطت ضوء أخضر للنظام التركي باجتياح عفرين ومن ثم ريفي الرقة والحسكة، وسبق ذلك تخلي واشنطن عن إقليم كردستان العراق عقب نتائج الاستفتاء الذي أراده مسعود برزاني تمهيداً لإعلان الانفصال عن العراق، وممن لا يتعظ من تجاربه لن يتعظ بتجارب أخرى مثل ما حدث في أفغانستان، لكن ربما يعلم قادة الفصائل الكردية أن عليهم حزم حقائب للحالات المفاجئة التي ستكرر عليهم سيناريو أفغانستان يوما ماً.
محمود عبد اللطيف