منذ التغيّرات التي اجتاحت المنطقة في ظل بداية مسار التقارب التركي- السوري، وعودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، حاولت “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، أنّ تنخرط في المسارات السياسية لحل الأزمة السورية، في ظل غياب أدواتها عن التمثيل في مسار “أستانا”، وعن اجتماعات “اللجنة الدستورية”، سواء من جهة المعارضة أو المستقلين؛ بسبب العداء بينها وبين “الائتلاف” المعارض الذي تقوده تركيا، إلى جانب إخفاق جميع محاولات الحوار السابقة بين الأكراد والدولة السورية.
كما أن “هيئة التفاوض” المعارضة استبعدت في اجتماع مكوناتها الأخير بجنيف خلال يومي 3 و4 من حزيران الفائت، “قسد”، وذراعها السياسي “مسد” من المشاركة في الاجتماع؛ لوجود “فيتو” تركي على دعوة كهذه، في وقتٍ اقتصر فيه تمثيل “قسد” في المباحثات السياسية حول سوريا بـ “المجلس الوطني الكردي” المدعوم تركياً.
“قسد” تنخرط مع “هيئة التنسيق”
وفي هذا الإطار سعت “قسد” للانخراط في مسار سياسي لترسيخ مشروع “الإدارة الذاتية”، إذ أعلن مجلسها السياسي “مسد” في 24 من حزيران الفائت، توقيع مذكرة تفاهم توافقية مع “هيئة التنسيق الوطنية” (معارضة داخلية مقرها دمشق)، في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، تضمنت 5 مبادئ رئيسة بين الطرفين.
وذكر بيان الوثيقة إنّ “تأسيس “جبهة وطنية ديمقراطية” لقوى “الثورة والمعارضة”، بات ضرورة مُلحّة لإخراج سوريا من كارثتها”، معلنةً تبني مشروع التغيير الديمقراطي، وبناء دولة قائمة على نظام حكم لا مركزي يوافق عليه السوريون في الدستور المستقبل، وعلى الجغرافية السورية الكاملة”.
وركزت الوثيقة على “وقف الحرب وإنهاء كل أشكال العمليات العسكرية والقتالية داخل الأراضي السورية، والعمل على خروج جميع الفصائل المسلَّحة غير السورية، والقوى الأجنبية الموجودة على الأرض السورية”.
وتعليقاً على ذلك، كشفت الرئيسة التنفيذية لـ “مسد” إلهام أحمد في تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط“، وجود “خلافات مع هيئة التنسيق تتعلّق بـ “شكل اللامركزية وطريقة اندماج “قسد” في الجيش السوري”.
وأضافت: “في إعلان المبادئ بالأحرف الأولى، اتفقنا على نظام “اللامركزية”، لكن شكل اللامركزية وإدارة البلاد بحاجة للمزيد من النقاشات للتوصل إلى اتفاق نهائي، سواء مع “هيئة التنسيق”، أو مع قوى سوريّة أخرى بشأن تفاصيل النظام اللامركزي، وهذا أمر طبيعي يمكن مناقشته بأي ظرفٍ كان”.
شكوك بشأن نجاح التجربة
وترى صحيفة “الأخبار” اللبنانية، أنّ “النقاط الخلافية الحالية التي يَجري الحديث عنها بين “هيئة التنسيق” و”قسد”، لم تخرج عن صلب المشكلة التي تمنع الأخيرة من الانخراط في أيّ عمل سياسي، ونقلت عن مصادرها، أنّ ” الحديث يدور حول وجود خلاف جوهري بينهما يتعلّق بشكل “اللامركزية” الذي يجب الاتفاق عليه، بالإضافة إلى “خلافات تتعلّق بدور “قسد” المستقبلي في الجيش السوري”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “هذه المبادرة التي ما تزال تخطو أولى خطواتها في طريق طويل مليء بالعثرات، تُعيد إلى الأذهان، محاولات سابقة للانخراط في المسارات السياسية للحلّ، أبرزها محاولة عام 2015 التي انخرط فيها هيثم المنّاع، بصفته شريكاً في قيادة “مسد” آنذاك، قبل أن ينسحب من المجلس عام 2016، معلناً رفض “إعلان الفدرالية الكردية” التي يحاول الأكراد ترسيخها”.
وتعليقاً على تصاعد الشكوك بشأن نجاح التجربة، ذكرت الصحيفة إنّ “الأسباب ترتبط بقرار “قسد” المرتهن لواشنطن، واستحواذ “حزب الاتحاد الديمقراطي” على السلطة في مناطق “الإدارة الذاتية”، لافتةً في الوقت نفسه إلى أن ” اختيار “هيئة التنسيق” التي تضمّ مجموعة من المعارضين السوريين الوازنين، وتنشط في دمشق، بالإضافة إلى أنها تفتقر إلى وجود أيّ تمثيل عسكري على الأرض، يبدو منطقياً من قِبل “قسد”، على خلاف “الائتلاف” الذي يشكّل واجهة للفصائل المنتشرة في الشمال السوري”.
مجدداً.. “قسد” تعوّل على واشنطن
وبينما ترى “قسد” أن من شأن ذلك الاختيار، في حال تجاوز الخلافات الراهنة، أن يؤمّن لها تشكيل “هيئة” ذات حضور سياسي وميداني، بدأت الأخيرة محاولة إعادة تنشيط الحوار الكردي – الكردي، بين “حزب الاتحاد الديمقراطي”، و”المجلس الوطني”؛ بعد إخفاق جيمع المحاولات السابقة بينهما؛ لإصرار “الديمقراطي” على احتكار المشهد الكردي.
وأعلن قائد “قسد” مظلوم عبدي، في حديثٍ أدلى به أخيراً، استعداده لاستكمال الحوار مع “المجلس الوطني” و”تذليل العقبات أمام الخروج بتوافق”، وفي هذا السياق، لفتت صحيفة “الأخبار” اللبنانية نقلاً عن مصادر كردية إلى أن “قسد” تعوّل على جهود المبعوث الأمريكي الخاص إليها نيكولاس غرينجر، الذي أنهت واشنطن عمله في سوريا ونقلته إلى تركيا مع استمرار عمله في الملف السوري،
يشار إلى أن واشنطن تسعى لإيجاد توافقات جديدة بشأن المسألة السورية، يمثّل التوافق الكردي – الكردي أحد جوانبها، وخصوصاً أن “غرينجر” أعلن نيّته إعادة إحياء ذلك الحوار، ووفق الصحيفة، فإنّ “التوافق المنشود بين الأكراد، يندرج في إطار خطّة أمريكية قديمة – جديدة لتشكيل حلف معارض يوحّد المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية في الشمال والشمال الشرقي، ويمكن أن تخوّل “قسد” العبور إلى مسارات الحلّ السياسي، غير أنه يحتاج إلى اختراق كبير يعيد ترتيب الأوراق، وهو ما يبدو أن “قسد”، التي تستشعر اقتراب خطر التطبيع السوري- التركي، تعوّل عليه.
أثر برس