يبدو أن التعزيزات العسكرية لقوات الاحتلال التركي التي أدخلتها إلى محافظة إدلب خلال الأشهر الأخيرة ستدخل في معارك ضد المجموعات المسلحة هناك بدلاً من حماياتها بعد رفض تلك المجموعات للتعليمات والتوجيهات التركية.
إذ أن البيان الذي أصدرته قبل حوالي الشهرين ما تسمى بـ “غرفة عمليّات وحرّض المؤمنين” والذي جاء فيه ان “بعض الحكومات تتظاهر بأنها صديقة للسوريين، لكنها لا تريد إلا القضاء على الحركات الجهادية، كل ما يفعلونه مصالحهم الوطنية لا غير”، وما تلاه من بيانات لـ” جبهة النصرة” والتي أعلنت فيها هي أيضاً رفضها للاتفاق الروسي – التركي، يرجح أنها قد بدأت تأخذ منحى أكثر جدية، خصوصاً أنها باتت تشكل إحراج كبير للأتراك أمام الروس بسبب عرقلة الدوريات الروسية – التركية على طريق M4.
يوم الأحد الفائت، شهد أولى المواجهات بين “جبهة النصرة” وجنود الاحتلال التركي قرب بلدة النيرب، على خلفية محاولة قوات الاحتلال التركي فض اعتصام بالقوة على الطريق الدولي، حيث اندلعت اشتباكات بين مسلحي “النصرة” وقوات الاحتلال التركي ما أسفر عن مقتل مسلحين لـ”النصرة” وجرح آخرين.
استُكمِل الحدث الذي يظهر حجم الخلاف بين “النصرة” وقوات الاحتلال التركي يوم الاثنين الفائت عندما ألقت طائرة مسيّرة تركية منشورات ورقية فوق سماء محافظة إدلب وريف حلب، حاولت من خلالها تأجيج المدنيين العالقين في إدلب ضد “جبهة النصرة” من خلال ادعاءاتها بأنها تريد تجنيب المنطقة عمليات عسكرية.
تلك التطورات دفعت “جبهة النصرة” لاتخاذ إجراءات أكثر جدية على الأرض حيث أفاد “المرصد” المعارض بأن مسلحي “جبهة النصرة” منعوا أمس الثلاثاء رتلاً لقوات الاحتلال التركي من دخول مدينة دارة عزة غرب محافظة حلب، وسط استنفار عسكري بين جيش الاحتلال التركي وفصيل “فيلق الشام” التابع له من جهة، و”جبهة النصرة” من جهة أُخرى، في منطقة معرة النعسان على خلفية استقدام هيئة “جبهة النصرة” تركس لإزالة الحاجز الترابي الذي وضعته قوات الاحتلال التركي هناك.
لم يحصل حتى الآن أي رد عسكري تركي تجاه الإجراءات الأخيرة لـ “جبهة النصرة” هناك، على الرغم من أن معظم التقارير تؤكد أن القوات التركية التي تم حشدها في محافظة إدلب كافية لقيام تركيا بعملية عسكرية ضد “النصرة”، فلدى تركيا هناك أعداد كبيرة من الجنود وأكثر من مائة وحدة من الدبابات والمدفعية الثقيلة، فلماذا لم تحرك تركيا جنودها حتى الآن؟
من الواضح أن قوات الاحتلال التركي لا تريد الدخول بعملية عسكرية مباشرة مع “النصرة” كونها لن تستطيع إبقاء قواعدها ووجودها العسكري في منطقة لا تشكل لها بيئة صديقة ما سيكلفها الكثير في المستقبل، كما أنها تخشى من خسارة البيئة الداخلية هناك والتي تعتبر خزانها البشري في كل معاركها سواءً ضد الأكراد في شمال سورية أو حتى في ليبيا مؤخراً.
بالمقابل يبدو من الواضح أن “جبهة النصرة” لا تريد أن يكون لتركيا اليد العليا في إدلب كون قياديي “النصرة” يعلمون بأن الخطوة الثانية في الاتفاق الروسي – التركي بعد فتح طريق M4 ستكون حل “النصرة” داخل ما يسمى بـ “الجيش الوطني” التابع بشكل مباشر لتركيا والذي تم إرسال مسلحيه إلى ليبيا مؤخراً.
يبدو أن المشهد في داخل محافظة إدلب يزداد تعقيداً في ظل الخلاف الحاصل بين تركيا و”جبهة النصرة” التي قدمت لها الدعم والتسهيلات على مدى سنوات، لكن استمرار “النصرة” برفض الاتفاق سيخجل تركيا بشكل أكبر أمام التعهدات التي قدمتها، فهل سيتحرك الاحتلال التركي في إدلب لمحاربة حليفته الأقرب “جبهة النصرة”؟ أم أن تركيا ستقدم تنازلات لـ” النصرة” تضمن لها بقاءها بعد فتح طريق M4؟