خاص || أثر برس أمام تنوع الألبسة الجاهزة بتصميماتها وألوانها وأنواع أقمشتها ومصدرها، تشهد مهنة الخياطة تراجعاً كبيراً، والتي باتت مقتصرة على عدد محدود ممن لا يزالون يحافظون على المهنة التي انسحبت في معظمها من خانة التفصيل ومحاكاة الجاهز، إلى عملية إجراء تعديل بسيط على الألبسة كالتضييق أو التقصير.
واقع حال الركود الذي تعاني منه مهنة الخياطة في اللاذقية، دفع بالكثير من الخياطين، خاصة الشباب إلى اعتزال المهنة، والبحث عن مهنة أخرى، يقولون إنها “بتطعمي خبز”، بعد أن باتت مهنة الخياطة لا تجلب همها، ولا تسد أبسط حاجات العائلة.
“ما بتطعمي خبز”:
وقال الخياط أحمد عبد الله لـ”أثر”: “أعمل في كار الخياطة منذ حوالي 50 عاماً، اصطحبني أبي معه إلى المحل عندما كنت صغيراً ليعلمني الخياطة، وقال لي حينها إنها مهنة رائجة ومربحة ولها زبائنها الذين لا يشترون الألبسة الجاهزة وإنما يختارون التفصيل ليكونوا مميزين في لباسهم عن غيرهم، في إشارة إلى تشابه الألبسة في الأسواق”.
وأضاف: “تعلمت المهنة جيداً، لكنها لم تعد كما كانت، ولم تعد “تطعمي خبز”، فأغلبية الناس هجرت تفصيل الملابس، واتجهت نحو الألبسة الجاهزة”، مؤكداً أنه يقضي معظم نهاره في المحل من دون أن يدخل إليه زبون، إلا ما ندر ويكون طلبه تقصير بنطلون أو تبديل سحاب.
وأكد العم عبد الله (64 عاماً) أن مدخوله من الخياطة لا يكفي لسد حاجياته المعيشية اليومية، عازياً السبب إلى ارتفاع أسعار مستلزمات العمل، بدءاً بالقماش ونهاية بالخيط والإبرة لتفصيل أي قطعة، ناهيك عن ارتفاع أسعار الإكسسوارات والسحابات والأزرار وغيرها.
أما منغصات العمل بحسب ما كشف عبد الله، فهي الضريبة المالية المرتفعة جداً مقارنة مع إنتاج الخياط اليومي، مشيراً إلى أن ارتفاع مستلزمات العمل بشكل دائم وغير منتظم وعدم توفر السيولة دفع بالعديد من الخياطين الشباب لترك المهنة.
مهنة المتاعب:
بدوره، بيّن أبو محمود أن مهنة الخياطة أصبحت في الوقت الراهن مهنة المتاعب، بسبب التقنين الكهربائي الطويل الذي يمنع معظم العاملين في المهنة من العمل سوى ساعة فقط باليوم موزعة بين نصف ساعة صباحاً، ونصف ساعة أخرى بعد الظهر، ما دفع بالكثير من الخياطين إلى البحث عن مهن أخرى نتيجة عدم تمكنهم من تشغيل مولدات الكهرباء لارتفاع سعر المحروقات، بالإضافة عدم قدرتهم المالية على الاشتراك في الأمبير لتشغيل آلات الخياطة الخاصة بهم.
من جهته، قال الخياط أبو إبراهيم لـ”أثر”: ابتعاد الناس عن التفصيل وشراء الألبسة الجاهزة كان له الأثر السلبي على عمل الخياط، مشيراً إلى أن معظم الزبائن يقصدونه للتصليح والتغيير في الملابس أو إعادة تدويرها كإدخال إكسسوارات ودانتيل وجلد وأقمشة لجعل القطعة تبدو جديدة كلياً.
وأكد أبو ابراهيم أن تصليح الملابس أو إعادة تدويرها، لا يساعد الخياط على تدبر حاجات عائلته ودفع تكاليف استئجار محل وفواتير كهرباء وضرائب مالية، مبيناً أن ذلك كان سبباً أساسياً في هجر الكثير للمهنة.
لا تحاكي الموضة:
شكوى الخياطين تناغمت مع آراء عدد من المواطنين الذين أكدوا لـ”أثر” أنهم يقصدون الخياط حالياً لإصلاح الملابس الجديدة كإجراء تقصير أو تضييق أو إضافة أي تعديل.
وتقول رنا (طالبة جامعية): “لا ألجأ إلى التفصيل لأن الألبسة الجاهزة تحاكي الموضة بموديلاتها وألوانها وحتى نوع القماش، وتتوفر بقياسات مختلفة تتناسب مع الجميع، في حين أن الخياط قد يحمل مفاجآت غير سارة، ويكون التفصيل النهائي غير الذي كان في بالي”.
بدورها، قالت سارة (موظفة): شراء الألبسة الجاهزة أسرع وأبسط من التفصيل، وحجز أكثر من موعد لدى الخياطة للقياس، وطلب التعديل، والخوف من عدم الحصول على طلبي، بينما أكدت “أم سامي” أن ثمن القماش والخياطة لأي قطعة ملابس ستكون كلفتها تساوي الجاهز إن لم تكن أكثر، خاصة في ظل ارتفاع أسعار القماش وأجرة الخياط.
ارتفاع الأسعار:
من جهته، أكد أنور صاحب ورشة خياطة لـ”أثر” معاناتهم من حالة ركود كبيرة، بسبب ضعف القوة الشرائية لدى المواطنين، وما نجم عنها من تراجع في إنتاج الورشات بالتوازي مع رفع سعر القطعة المعروضة للبيع، لافتاً إلى أنه لا توجد تسعيرة محددة لتكلفة تفصيل أي قطعة ملابس، لكن بشكل عام ارتفعت التسعيرة تماشياً مع ارتفاع أسعار مستلزمات الخياطة.
وأشار أنور إلى وجود خياطين جيدين قادرين على تصميم وتقديم أرقى أنواع الموديلات، وذلك خلافاً للاعتقاد السائد لدى الناس بأن الخياطة لا تحاكي الألبسة الجاهزة بموديلاتها.
هم الضرائب:
بدوره، قال رئيس جمعية الخياطين في اللاذقية بدر قنجراوي لـ”أثر”: “مهنة الخياطة تأثرت كغيرها من المهن بالظروف المحيطة، كارتفاع التكاليف الخاصة بها بدءاً من الخيط وانتهاء بالوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء اللازمة لتشغيل “مكنة” الخياطة”.
باسل يوسف – اللاذقية