خاص || أثر برس في جزيرة أرواد أو كما يطلق عليها مدينة الفينيقيين، لا تزال صناعة السفن المتجذرة في تاريخ هذه الجزيرة، هي الشاهد الحي والمتوارث على صناعة الفينيقيين وتفردهم في هذه الصناعة التي علّموها للعالم عندما أبحروا قبل آلاف السنين على متن سفنهم الخشبية التي باتت علامة فارقة حول العالم.
الجديد في صناعة المراكب في جزيرة أرواد الحاضنة الوحيدة لهذه الصناعة، هو صناعة مركب بطول 19 متراً وبوزن 70 طناً، حيث يختلف عن غيره من المراكب التي تصنع في الجزيرة، بقوته وثباته وسرعته داخل المياه.
خالد حمود صانع القارب يشرح لـ “أثر” عن صناعته بالقول: “قمت وأخواي بصناعة المركب من خشب الكينا الثقيل، وتلبيسه بلوح خارجي من السويد السميك، ووضع ثلاث طبقات من ألياف الفيبر حيث يبلغ وزن المركب 70 طناً، لضمان ثبات المركب وتساوي الأوزان وسهولة انسيابية المركب داخل البحر، مع ضمان السرعة والأمانة في السفر”، مؤكداً أن هذا المركب شبيه بالباخرة من ناحية الثبات ومواجهة العوامل البحرية.
إذ نوه حمود على سرعة المركب بالإبحار، حيث أنه أشار إلى تجهيز المركب بمحركين لتحقيق قوة دفع وسهولة عند المناورة، مبيناً أن تركيب المحركات يحتاج إلى احترافية ودقة عالية لتحقيق التوازن فيما بينها، ناهيك عن تحقيق التوازن أيضاً بينها وبين خزانات المازوت والمياه لتتساوى الأوزان داخل المركب، كما أشار إلى أن حمولة المركب تتراوح بين 150-200 طن.
وأوضح حمود أن هذا المركب استغرقت صناعته ستة أشهر، وجاءت بناء على توصية، وهو حالياً قيد التصدير إلى خارج البلاد بعد الانتهاء من صناعته وتجربته بإنزاله إلى البحر، موضحاً أنه سيرفرف على المركب علم أجنبي ويستطيع الدخول إلى أي بلد، منوهاً على أن هذا المركب سيكون سفير الصناعة السورية والشاهد المتوارث الذي يحمل تاريخ وأصالة صناعة الفينيقيين.
وتابع: “لا أحد يعرف قيمة هذا العمل وصعوبته خصوصاً مع اختلاف مقاييس الاتزان ونزول المركب إلا مهندسون مخضرمون أو عن تجربة بناء سابقة والتعديل عليها”.
بدوره، قال منذر رمضان عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الحرفيين بطرطوس لـ “أثر”: “هذا المركب ليس تقليدياً كغيره من المراكب التي تتم صناعتها في جزيرة أرواد، إذ يتمتع بمواصفات قياسية تحتاج إلى دراسات هندسية”، مشيراً إلى الاختلاف بالأوزان وبالإتقان الهندسي في التصميم الذي لا يتقنه إلا مهندسون خبراء أو أحفاد الفينيقيين الذين توارثوا هذه المهنة ولا يزالون محافظين عليها.
وأشار رمضان إلى أن هناك خطة مستقبلية لدعم حرفة صناعة المراكب في المحافظة، سيتم إطلاقها في جزيرة أرواد، وتتمثل الخطة بمشروع إحداث حاضنة للإعداد والتدريب على مهنة صناعة المراكب وقوارب الصيد في جزيرة أرواد، بالإضافة لتأمين المستلزمات المطلوبة لصانعي المراكب كالأخشاب اللازمة والمستخدمة في صناعة المراكب، حيث يجد معظمهم معاناة في نقلها إلى الجزيرة.
وبيّن رمضان أن حمود وأخوانه الذين صنعوا هذا المركب هم أنفسهم من صنعوا السفينة الفينيقية عام 2018 على غرار السفينة الفينيقية التي أبحرت قبل آلاف السنين وغرقت في مضيق جبل طارق.
وتبقى صناعة القوارب في جزيرة أرواد تحكي قصة حضارة بأكملها انطلقت من أرواد نحو العالم، قصة حرفة تراثية نادرة تحمل بصمة الصناعة الفينيقية.
صفاء علي – طرطوس